إدارة الشئون الفنية
مكانة المسجد في الإسلام

مكانة المسجد في الإسلام

18 نوفمبر 2022

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 24 من ربيع الآخر 1444هـ - الموافق 18 / 11  / 2022م

مَكَانَةُ الْمَسْجِدِ فِي الإِسْلَامِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ خَيْرَ بِقَاعِ الْأَرْضِ الْمَسَاجِدَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَرَّفَ بُيُوتَهُ لِكُلِّ قَاصِدٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ مِنْ آلٍ وَصَحْبٍ وَمَاجِدٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمٍ تَعْظُمُ فِيهِ الْأَهْوَالُ وَالشَّدَائِدُ.

 أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ ـ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ـ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّ الْفَوْزَ فِي أَنْ تَتَّقُوا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بَحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَتَفَرَّقُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ لِلْمَسْجِدِ مَكَانَتَهُ الشَّرِيفَةَ، وَمَنْزِلَتَهُ السَّامِيَةَ الْمُنِيفَةَ؛ فَهُوَ بَيْتُ اللهِ وَمَعْقِلُ الْإِسْلَامِ، وَمَصْدَرُ الْإِشْعَاعِ وَمَنْبَعُ الْإِيمَانِ وَالسَّلَامِ، وَمَوْطِنُ إِقَامِ الصَّلَوَاتِ، وَتَنَزُّلِ الرَّحَمَاتِ، وَاسْتِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، وَعُنْوَانُ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، وَرَمْزُ الْهِدَايَةِ وَالصَّلَاحِ وَالثَّبَاتِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *  رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[ [النور:36-38]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ كَانَ الْمَسْجِدُ جَامِعًا تَرْبَوِيًّا رَاسِخًا، وَصَرْحًا عِلْمِيًّا وَعَمَلِيًّا شَامِخًا، تَلَقَّى فِيهِ الصَّحَابَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ – وَمَنْ بَعْدَهُمْ: مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ إِذْ فِيهِ تَخَرَّجَ الْأَفْذَاذُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَنَبَغَ الْجَهَابِذَةُ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَمَدْرَسَةً تُرَبَّى فِيهَا النُّفُوسُ تَرْبِيَةً إِيمَانِيَّةً، وَتُزَكَّى فِيهَا الْقُلُوبُ تَزْكِيَةً رُوحَانِيَّةً، وَفِيهِ رُبِّيَ الْقَادَةُ الْأَبْطَالُ، وَتَرَعْرَعَ النُّبَلَاءُ مِنَ الرِّجَالِ، وَكَانَ مَوْئِلًا لِاسْتِقْبَالِ الْوُفُودِ وَالرُّسُلِ وَالسُّفَرَاءِ، وَمُنْطَلَقًا لِعَقْدِ أَلْوِيَةِ الْجِهَادِ، وَمَجْلِسًا لِلْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ، وَمَأْوَى مَنْ لَا مَأْوَى لَهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَفِي مِحْرَابِهِ تُتْلَى آيَاتُ اللهِ الْبَيِّنَاتُ، وَعَلَى مِنْبَرِهِ تُلْقَى الْخُطَبُ وَالْمَوَاعِظُ الْمُؤَثِّرَاتُ.

وَكَانَ الْمَسْجِدُ دَارًا لِلشُّورَى، وَمُلْتَقًى لِلتَّعَارُفِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّكَاتُفِ، وَفِيهِ تَتَحَقَّقُ الْأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، وَتَتَعَمَّقُ مَشَاعِرُ الْأُلْفَةِ الْإِيمَانِيَّةِ، وَتَذُوبُ الْفَوَارِقُ الطَّبَقِيَّةُ، فَتَظْهَرُ الْعَدَالَةُ وَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ إِذِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ؛ كُلُّهُمْ يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ سُبْحَانَهُ سَوَاسِيَةً لَا فُرُوقَ تُمَزِّقُهُمْ، وَلَا تَمَايُزَ يُفَرِّقُهُمْ، وَعُمَّارُهُ هُمْ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالْإِيمَانِ، وَرُوَّادُهُ هُمْ شِعَارُ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ[ [التوبة:18].

وَعِمَارَتُهُ إِمَّا حِسِّيَّةٌ بِبِنَائِهِ وَتَشْيِيدِهِ؛ وَفِي هَذَا فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَخَيْرٌ عَمِيمٌ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَإِمَّا عِمَارَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ، وَالِاعْتِكَافِ وَإِقَامِ الصَّلَوَاتِ، وَنَحْوِ هَذَا مِنْ وُجُوهِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ؛ وَلِهَذَا كَانَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوَّلَ خَطْوَةٍ خَطَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ بِنَاءِ مُجْتَمَعِ الْمَدِينَةِ الْجَدِيدِ عَلَى الْإِخَاءِ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي بَرَكَتْ فِيهِ نَاقَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَرَاهُ مِنْ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَشَارَكَ فِي بنَائِه بِنَفْسِهِ.

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:

وَالْمَسْجِدُ أَحَبُّ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

وَأَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، ثُمَّ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَهِيَ الَّتِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْهَا، وَأَوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الْأَرْضِ هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ؛ فَهُوَ مَسْجِدٌ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

عِبَادَ اللهِ:

وَمَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ فِي الْمَسَاجِدِ، فَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهَا، وَالْمُلَازَمَةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهَا؛ كَانَ مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ» [أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ].

وَحَسْبُ مَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِالْمَسْجِدِ: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْرَحُ بِقُدُومِهِ، وَيُقْبِلُ عَلَيْهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].

وَفِي صَلَاةِ الْمَسْجِدِ يَنَالُ الْمُصَلِّي أَجْرَ السَّيْرِ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَأَجْرَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَأَجْرَ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَكُلُّهَا غَنَائِمُ وَافِرَةٌ، وَأُجُورٌ كَثِيرَةٌ مُتَكَاثِرَةٌ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ؛ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ -لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ- فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ» [أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ].

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا؛ كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ لِلْمَسْجِدِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً لَا بُدَّ مِنَ الْإِلْمَامِ بِهَا، وَآدَابًا مَرْعِيَّةً تَحْسُنُ مُرَاعَاتُهَا، وَمِنْ ذَلِكَ: تَنْزِيهُهُ عَنِ الْبِدَعِ وَالشِّرْكِيَّاتِ، وَصِيَانَتُهُ عَنِ الْأَرْجَاسِ وَالْمَعَاصِي وَالْهَيْشَاتِ وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[ [الجن:18]، وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ! قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ» فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ؛ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ].

وَمِمَّا يُصَانُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ: الرَّوَائِحُ الْكَرِيهَةُ، وَالْأَقْوَالُ الْبَذِيئَةُ، وَالسُّلُوكِيَّاتُ الْمُسِيئَةُ، وَيُصَانُ أَيْضًا عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَأَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ وَالصِّنَاعَاتِ؛ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، [أَيِ السُّؤَالُ عَنْ مَفْقُودَاتٍ] وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ [أَيْ لَا خَيْرَ فِيهِ]، وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَثَمَّةَ سُنَنٌ وَآدَابٌ أُخْرَى تَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا، وَمِنْهَا: أَنْ يُحَافِظَ عَلَى أَذْكَارِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَأَنْ يَرْكَعَ رَكَعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، وَلَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِأَحَادِيثِ الدُّنْيَا، وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَلَا يُنَازِعَ فِي الْمَكَانِ، وَلَا يُضَيِّقَ عَلَى أَحَدٍ فِي الصَّفِّ، وَلَا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ، وَلَا يَبْصُقَ وَلَا يَتَنَخَّمَ وَلَا يَتَمَخَّطَ فِيهِ، وَلَا يُفَرْقِعَ أَصَابِعَهُ وَلَا يُشَبِّكَ بَيْنَهَا، وَأَنْ يُنَزَّهَ عَنِ النَّجَاسَاتِ وَالصِّبْيَانِ الْعَابِثِينَ وَالْمَجَانِينِ، وَعَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، فَإِذَا فَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ فَقَدْ أَدَّى حَقَّ الْمَسْجِدِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الْأَبْدَانِ، وَالْأَمْنَ فِي الْأَوْطَانِ، وَالرَّحْمَةَ بِالْأَهْلِ وَالْإِخْوَانِ، وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيمِ وَالرِّضْوَانِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيةِ، اللَّهُمَّ وَوَفِّقْ نَائِبَهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني